24‏/9‏/2007

البقاء لله فى الحياة السياسية الحزبية

كتبت مني سعيد:

لا تزال الحياة الحزبية في مصر تعاني العديد من أوجه القصور والسلبيات التي تفاقمت في السنوات الأخيرة التي شهدت تراجعا ملحوظا في عضوية هذه الأحزاب وحجم تواجدها في المنظمات الجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني وحجم تمثيلها في المجالس النيابية ومدي انتشارها الجغرافي في مختلف أنحاء الجمهورية وقد انعكس هذا التراجع بشكل ملحوظ علي تأثير هذه الأحزاب ونفوذها السياسي في المجتمع إلي درجة لانبالغ معها اذا قلنا أنها توشك أن تصبح ظاهرة هامشية في الحياة السياسية المصرية وأي دراسة جادة لمستقبل التجربة الديمقراطية المصرية لابد وأن نتوقف عند تجربتها الحزبية وأسباب تراجعها ولماذا لم تحقق المرجو منها بعد ربع قرن؟ هل يرجع ذلك للإطار القانوني والأمني الذي يحكم عمل هذه الأحزاب أم أنه يعود إلي قصور في آداء وممارسات تلك الأحزاب نفسها؟ أم أنه يعود إلي السببين معاً؟ أهم أوجه القصور الداخلية التي تعوق عمل الأحزاب والتي تتحمل جزءا كبيرا من مسئولية تراجع التجربة الحزبية وتعني بذلك أزمة القيادة التي تعاني منها كل الأحزاب المصرية بدرجة أو بأخري مظاهر تلك الأزمة وأسبابها وانعكاساتها علي الحياة الحزبية والسياسية في مصر والمقترحات الكفيلة بالتغلب علي تلك الأزمة تتلخص في أن كل الأحزاب تعاني من مشكلة تكريس بقاء شخص واحد في قيادة الحزب فمنذ إقرار التعددية الحزبية عام 1976 لم تتغير أغلب قيادات الأحزاب فمع تأسيس كل الأحزاب رأسها شخص واحد هو مؤسسها ولم يترك أي منهم هذا المنصب وقد أدي هذا إلي استمرار رؤساء وبعض الاحزاب في مواقعهم لأكثر من ربع قرن كما هو الحال في حزبي التجمع والعمل وبعضهم أقرب من ذلك مثل مصطفي كامل مراد الرئيس الراحل لحزب الأحرار الذي استمر 23 عاما وقد أدي طول فترة بقاء رؤساء هذه الأحزاب في مواقعها إلي مظهر آخر من مظاهر أزمة القيادة في تلك الأحزاب ألا وهي تقدم معظم هذه القيادات في السن وما يخلفه ذلك من جمود في الفكر وعدم إتاحة الفرصة للأجيال الوسط والشباب للمشاركة في قيادة الحزب فمعظم رؤساء الأحزاب في مصر تجاوزت أعمارهم الـ70 عاما بل أن بعض الرؤساء تجاوز الـ90 كما هو الحال في حزب الوفد حين توفي زعيمه فؤاد سراج الدين عن عمر يناهز الـ90 عاما ولا يقتصر بقاء القيادات في مواقعها لفترة طويلة علي رؤساء الأحزاب وحدهم ولكن يمتد إلي بقية أعضاء نخبة الحزب وأن كان بشكل أقل ونقصد هنا أصحاب المواقع القيادية مثل نائب رئيس الحزب ووكيله وأمينه العام وأمينه العام المساعد وسكرتيره العام ومساعده وأعضاء الهيئة العليا. أدت ظاهرة شخصنة السلطة أو الزعامة التاريخية لتفجير صراع رهيب داخل أحزاب المعارضة بمجرد رحيل الزعيم المؤسس للحزب أو حتي قبل رحيله في حين تشهد الأحزاب التي لا يزال رؤساؤها علي قيد الحياة العديد من الاتجاهات الانفصالية يفجرها عادة استئثار رئيس الحزب بكل الصلاحيات والسلطات وطول فترة بقائه في منصبه ومن هنا أصبحت معظم هذه الاحزاب مهددة بالانفجار من الداخل أو أنها انفجرت بالفعل. وأبرز الأمثلة علي ذلك أنه بعد مرور 40 يوما علي رحيل رئيس حزب الأحرار مصطفي كامل مراد في أعسطس 1998 انفجر الصراع حادا ومشبعا بكل سمات عدم الديمقراطية علي رئاسة الحزب ووصل عدد المتنازعين علي الرئاسة إلي 14 شخصا يمارس كل منهم رئاسة الحزب علي الورق فقط ويتخذون قرارات بإحالة خصومهم للتحقيق بتهمة ارتكاب مخالفات وكان أهم المتنازعين علي الرئاسة رجب هلال حميدة وطلعت السادات وسليم عزوز ومحمد فريد زكريا وياسر رمضان وحلمي سالم ومدحت نجيب والذي تمكن من توجيه دفة الصراع لصالحه إلي أن توفي. فأنفجرت الأوضاع مرة أخري ووصلت للاشتباك بالمسدسات والسنج. ويكتسب انفجار حزب الأحرار دلالة تتجاوز حجم هذا الحزب وموقعه وهي أن وصول الصراع علي قيادة الأحزاب إلي حد الاشتباك شبه المسلح ليس مقصوراً فقط علي الأحزاب الهامشية وإنما يمكن أن يمتد إلي أحزاب كبيرة لها باع طويل في الممارسة السياسية. أيضا يعاني حزب العمل من الانشقاقات والتنازع علي رئاسة منذ عام 1989 عندما تبني الحزب في مؤتمره الخامس الاتجاه الإسلامي ومن هنا حدث خلاف شديد بين أنصار هذا الاتجاه الأقرب للاخوان المسلمين وبين أنصار الاتجاه الاشتراكي أدي لانسقاق أنصار الاتجاه الأخير بقيادة أحمد مجاهد الذي يشغل منصب نائب رئيس الحزب والذي أعلن نفسه رئيسا للحزب ووصل الأمر للتنازع بين أنصار إبراهيم شكري وبين أنصار أحمد مجاهد وفؤاد هدية وحامد زيدان وشوقي خالد الذي قاد الانشقاق الآخر من الحزب عام 1992 وكان يشغل الأمين العام المساعد للحزب حتي عام 1989 وشهد الحزب انشقاقاً آخر قاده ناجي الشهابي الذي كان أمينا عاما مساعدا للحزب مند تأسيسه وظل علي خلاف مع سياسة التحالف الإسلامي منذ 1989 حتي خرج عن الحزب ومعه عدد كبير من قياداته وقام بتأسيس حزب الجيل الديمقراطي وكان آخر تنازع علي رئاسة حزب العمل هو الذي حدث بعد تفجير أزمة رواية وليمة أعشاب البحر والتي قادتها صحيفة الحزب حيث حدث صراع رهيب علي رئاسة الحزب بين كل من ابرهيم شكري وأحمد أدريس وحمدي أحمد وإزاء هذا التنازع ما كان من لجنة الأحزاب إلا أن جمدت عمل الحزب وقررت عدم الاعتداد بأي من المتنازعين علي رئاسته وذلك حتي يتم حسم النزاع بينهم رضاء أو قضاء.. وما يترتب علي ذلك من آثار منها وقف إصدار صحيفة الشعب وغيرها من صحف الحزب خلال فترة النزاع. أما الحزب الناصري فقد أصبحت ظاهرة الانشقاق والصراع علي الرئاسة لهذا الحزب منذ السماح له بمزاولة عمله بين جبهتين الجبهة الأولي تسمي «مجموعة مايو» برئاسة ضياء الدين داود رئيس الحزب وتسيطر هذه المجموعة علي مقر الحزب «بطلعت حرب» والمجموعة الثانية تسمي «مجموعة عابدين» بقيادة فريد عبدالكريم وتسيطر علي مقر الحزب بعابدين وشهد الصراع بين المجموعتين وفي عام 1999 شهر الحزب الناصري خروج مجموعة من قياداته الشابة شكل بعضها مشروعا حزبيا جديدا أطلق عليه حزب «الكرامة» ومن هنا فإنه اذا كان لتلك الاحزاب أن تتجاوز تلك الأزمة وتداعياتها علي الحياة السياسية فلابد من إصلاح العديد من أوجه الضعف التي تعتري تلك الأحزاب وأوجه القصور التي يعاني منها النظام الحزبي في مجمله.

ليست هناك تعليقات: