3‏/1‏/2008

وثيقة ترشيد الجهاد في مصر.. تحول حقيقي أم خداع جديد؟


مراجعات جماعة الجهاد المصرية تثير جدلاً واسعاً
د.عمرو الشوبكي: الواقع السياسي والاجتماعي غائب عن هذه المراجعات


القاهرة - الراية - مني سعيد: في ندوة وثيقة ترشيد الجهاد للدكتور سيد إمام والتي أثارت - ولا تزال- جدلا كبيرا بين كل المهتمين بمستقبل هذا الوطن، ليس فقط لأنها تمثل تطورا دراماتيكيا في مسيرة تنظيم وصل إلي ذروة ممارسات العنف السياسي والميداني، وإنما للتوقعات التي أتاحتها هذه المراجعات باحتمال تأثر تنظيم القاعدة نفسه بالنظر إلي المكانة التي يحتلها صاحب الوثيقة سيد إمام (أو الدكتور فضل) لدي عناصره سواء في المستويات القيادية التي زاملته وتتلمذت عليه مباشرة أو في المستويات الوسيطة والقواعد التي تم تثقيفها باستخدام كتبه ودراساته السابقة.
وهنا لابد أن نتساءل عن أبعاد التحول الفكري الذي عكسته هذه المراجعات في ضوء الانتقادات التي تم توجيهها إلي الوثيقة من كتاب ليبراليين أشاروا إلي أن الدكتور فضل ما زال في جوهره داخل إطار نفس المنظومة الفكرية المتشددة، وأن أفكار التكفير تطل برأسها من داخل سطور الوثيقة، وأن التطور الحقيقي الوحيد هو فقط إرجاء الصدام واستخدام العنف بسبب عدم المقدرة علي تحمل نتائجه.
من جانبه أكد د. وحيد عبد المجيد رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام في ندوة وثيقة ترشيد الجهاد في مصر والعالم: قراءة من الداخل والتي اقامها المركز انه ينبغي مناقشة وثيقة ترشيد الجهاد بطريقة محايدة وليس من المعقول ان يتحمل طرف واحد ما جري والكل مشترك وهناك اطراف اخري فالاخطاء كثيرة والمخطئون كثرة فهناك اطراف خلقت مناخات بيئية ودفعت المجتمع للاحباط ولكن هذا ليس مبررا لما فعلته الجماعات الاسلامية ولكننا نتحدث من زوايا مختلفة.
وقال عبد المجيد ان الوثيقة بها مبررات للاهتمام بها وخاصة اننا في مرحلة تدهور فكري وسياسي، والاهتمام العام يتجه لما هو صاخب وغير عادي.
ويضيف وحيد عبدالمجيد لا أريد أن أقلل من شأن الوثيقة، لأنها تمثل انقلاباً في أساسيات مشروع جماعات الجهاد، وانتقالا به من فكر الفرقة إلي فقه الأمة. وهي من هذه الزاوية مهمة للغاية لكافة الفصائل التي انخرطت في المشروع وانطلقت من تعاليمه. ولا تقل في أهميتها عن مراجعات الجماعة الإسلامية التي صدرت قبل عشر سنوات. وكلها تهدر فكرة العنف وترفض التكفير، وتتحري سبلاً جديدة للتصالح مع المجتمع، تتوافق مع ما اصطلحت عليه الأمة وتعايشت في ظله منذ قرون. إلي جانب ذلك فمن الإنصاف أن نشيد بشجاعة الرجل الذي تبني هذه المراجعات، ولم يتردد في نقد الأفكار التي سبق أن تبناها، مؤثراً العودة إلي الحق الذي أدركه، بدلاً من المضي في العوج الذي بدأه.
ويتعين الانتباه إليها، وهي أن هذا الجيل من الشباب العربي الذي كان يحلم بالمجتمع المثالي، واندفع في طريق العنف ليحقق التغيير الذي ينشده، حين يكتشف خطأ الطريق ، فإننا ينبغي ألا نكتفي بذلك، وإنما يجب أن نوفر له طريقاً بديلاً يعطيه أملاً في إمكانية إحداث التغيير المرجو بالطرق السلمية، لأن تيسير الحلال هو أنجح الأساليب لقطع دابر الحرام.
ومن جانبه أكد عمرو الشوبكي - خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن المراجعات صادقة وتمثل تحولاً حقيقيًا وأنها تكمل ما بدأته الجماعة الإسلامية، مشيرًا في الوقت نفسه إلي أن الواقع السياسي والاجتماعي غائب تمامًا عن تلك المراجعات.
وأوضح الشوبكي أن المراجعات لن يكون لها تأثير واضح علي خلايا القاعدة، بينما سينصب التأثير علي الجماعات المشابهة، مؤكدًا أن خروج الجهاد وانضمامهم للتيار السلمي الواسع يمثل عملاً إيجابياً وتاريخياً، غير أنه لن يحلّ المشكلة السياسية للحركات الإسلامية، علي اعتبار أن ملفها أمني.
ووصف الدكتور عمرو الشوبكي هذه المراجعات بقوله: اعتقد أنّها مراجعات صادقة، وأنّها تمثل حقيقة فكر واحد من رموز الجهاد، وأنّها تكمل ما أقامته الجماعات الإسلامية منذ 10 سنوات.
ثم وضع المراجعات في قالبين لا يغيبا عنها، أولهما: الشبهات فيجب علينا أن نضع هذه المراجعات في إطار الخبرة الإنسانية بشكل عام، وأنّ هؤلاء الناس كانوا يحاربون النظام الحاكم وفشلوا وانهزموا، وبعد الفشل والهزيمة أعادوا التفكير في فكرهم مما نتج عنه هذه الوثيقة، فاعتقد أنّها سليمة ودلالتها صحيحة، والرسالة التي تبعثها المراجعات هي أنّ خيار العنف لابد أن يكون خياراً مرفوضاً، وأنّ يكون خطاً أحمراً لا يجوز الاقتراب منه.
ثانيهما: تقييم هذه المراجعات، فلا زال الفكر - الإطار الذي يحكم هذه المراجعات - هو نفس الإطار العقائدي الذي حكم هذه الجماعة وحروبها العنيفة في السبعينات والثمانينات، فنجد أنّ الواقع السياسي والاجتماعي غائب عن هذه المراجعات، فهؤلاء الناس لم يتحركوا في النقابات ولا الأحزاب السياسية.
مضيفاً: تأثير هذه المراجعات علي العقائد الأخري مثلاً الجماعة الإسلامية بالجزائر، وغيرها... ومن هنا يمكن أن تؤثر هذه المراجعات - فيما أري - علي بعض الجماعات الكبري كالسلفية الجهادية بالمغرب، والجماعة الإسلامية المسلحة، وتنظيم القاعدة بالسعودية.
وبالنظر إلي المشهد السياسي الحالي فنجد اننا أمام عدة محاولات للوجود الإسلامي فعندنا حزب الوسط، وجماعة الإخوان المسلمين، وكلاهما يتعامل بالسلم، إذاً نحن أمام خريطة سلمية انضم في نهايتها حركة الجهاد المصرية، ولكن غير مصرح لها بالوجود القانوني.
وخروج هؤلاء الناس للفكر السلمي فإنّه سيمثل عملاً تاريخياً لكنه لن يحل المشكلة السياسية للإسلام السياسي في مصر.
أما كمال حبيب فقال: أعتقد أن التحول في الوثيقة واضح سواء كان في المنهج أو في القضايا التي تثيرها، فمثلاً داخل المنهج نفسه الرجل يتبني تأسيساً يعتمد علي أصول الفقه، وأورد من 30 إلي 40 قاعدة أصولية تمثل معمارا فكريا لهذه الوثيقة، ومنهج أصول الفقه في الواقع لم يكن مطروحاً علي العقل السلفي الجهادي من قبل، ما كان مطروحاً عليه، هو مسألة العقيدة والخوض فيها أو ما نسميه نحن ب الايديولوجيا ، كان هناك كلام في العقيدة يستند علي معرفة علل الأحكام وأنواعها وتخريج الأحكام، أي يبدأ من النص وينتهي إليه من دون خضوع للواقع. لذا أقول نحن الآن أمام منهج جديد هو استخدام أصول الفقه في فهم الأحكام الشرعية وتخريجها ومعرفة أوضاعها، والنقطة الثانية هي الاستراتيجية التي كان يتبناها العقل السلفي الجهادي -ولا يزال- وهي استراتيجية وراء الممكن وليست في حدود الممكن، باعتبارها ايديولوجيا ثورية حتي نري أن الكلام عن الممكن وحدود القوة أو حدود القدرة لم يكن مطروحاً علي هذا العقل ودائماً ما يستند إلي رؤية عاطفية، ولا تدخل مسألة الممكن في حسبانهم.
أن يأتي سيد إمام ويتحدث عن القدرة فهذا تحول مهم في المنهج والفتوي لأن ما كان يتداوله التيار الجهادي في فترة ما قبل الثمانينيات وطوال الثمانينيات كان نقلاً أميناً لما قاله ابن تيمية في الجزء ال28 والجزء ال35 من مجموعة الفتاوي، أي أنها كانت نصوصا لأجوبة حيال واقع قديم نقلها مباشرة إلي واقعنا الآن، ثم استدعاء نصوص قديمة علي واقع مختلف وهو ما نسميه الفروق الاجتماعية ، والفكر الجهادي كان يعمم القواعد ولا ينظر إلي مسألة الفروق، وكان الإخوة يتحدثون عن أن الثورة الإسلامية نجحت في إيران وقد تنجح في مصر من دون إدراك لهذه الفروق الاجتماعية، لكن الرجل أكد أن هذا الاستدعاء خاطئ وليس صحيحاً من ناحية المنهج، لأننا أمام منهج مختلف وكل شغله كان علي العقيدة، والآن ينتقل إلي الفقه، وينتقل من فقه الضرورة، وأن الإنسان يحيا مجاهداً طوال حياته إلي الفقه العادي أو فقه الواقع.
ويقول د. ضياء رشوان خبير الحركات الاسلامية: بداية لابد أن نقوم بتوصيف جماعة الجهاد، لأن هناك خلطا في المفاهيم عند استخدام مصطلحات من خارج الظاهرة مثل تعبير جماعات معتدلة واخري متشددة، واظن ان التقسيم الافضل هو الذي يفرق بين جماعات عقائدية تبدأ في البحث عن صحة اسلام المجتمع والدولة، واخري لا تبدأ من العقيدة بل من الشريعة لتطلب تطبيق الاسلام الصحيح من وجهة نظرها، والدكتور فضل الآن ينتقل من معسكر إلي آخر.
ولا نتلمس لدي الدكتور فضل شيئا يتعلق بالشك في عقيدة آخر، لا فرد ولا مؤسسات، لذلك هو الآن في معسكر الإسلام المعتدل الذي يبدأ بالعدالة والتنمية في تركيا وينتهي بالإخوان في مصر.
والتاريخ الإسلامي علي مدي 14 قرنا أثبت أن الغالب فيه هو التيار الذي اهتم بالشريعة، أما الذي اهتم بالعقيدة وبدأ بظهور فرقة الخوارج لا يعيش كثيراً، فالخوارج لم تستمر لهم دولة أكثر من فترة تتراوح بين 50 إلي60 عاما فقط في شمال إفريقيا.
الأفكار تتطور وتتحول والاعتدال في الإسلام هو الذي أدي إلي انتشاره، وما حدث من مراجعات كان سببه النضج، والمقارنة بين ما جاء في كتبهم قبل المراجعة وما جاء بعدها يؤكد أن هناك تغييرا حدث، أولي مراحله ما يسمي بدائرة الإحالات المغلقة فلان يحيل إلي فلان، وكلهم من نفس المدرسة، لكن الانفتاح والخروج من دائرة الإحالات المغلقة يستلزم نضجاً ووقتاً للقراءة، والسجن أعطي فرصة مهمة للتدارس ورؤية ما حدث من قتل، والقتل عند الإسلاميين بقدر ما هو مسألة سهلة بقدر ما هو معضلة، إذ بعد الفتوي تبدأ الأسئلة، والفارق بين مراجعات الجماعة الإسلامية و الجهاد في تقديري أن الجماعة الإسلامية كانت في حال هزيمة لكن الجهاد لم يكن في هذه الحال... الجماعة الإسلامية بدأت بفقدان قياداتها نتيجة القتل أو دخول السجون، ودخلت في دوامة عنف شديدة لكن الجهاد رغم أن بعضهم قبض عليه، لكنهم لو ظلوا داخل السجون لفاخروا الناس بإخوانهم في الخارج الذين دوّخوا العالم كله.
نحن أمام وثيقة مكونة من 107 صفحات، هل يتصور عاقل أن ينجز مفكر تحوله الكامل في 107 صفحات بدلا من 1500 صفحة هي مجموع كتابي العمدة و الجامع ؟، خصوصا أن الجماعة الإسلامية بدأت بسطرين وانتهت ب 25 كتابا... في تقديري إن الدكتور فضل الآن يتعامل مع الواقع ويتناول القضايا المطروحة من منظور واقعي.
ويضيف الكاتب والباحث د. كمال مغيث. انه لا يوجد مبرر للاحتفاء بوثيقة امام ولا اعتقد ان البرنامج الانتخابي لاي حزب مصري نال هذه الضجة التي اثارتها المراجعات. وكذلك التكاليف الحضارية التي دفعتها مصر علي مدار 30 عام من يتحملها من فكر الاخوان؟ ومن يضمن ان تكون الوثيقة الفيصل في العنف امام فكر لم يحدد لماذا اخطأ وهناك قضايا اشكالية لم يحددها كالناسخ والمنسوخ واسباب النزول . واشار ان الوثيقة لم ترد فيها كلمة البرلمان ولا الاحزاب او الدستور ولذلك نحن نعطي الوثيقة اكبر من حجمها.
ويقول السيد ياسين الخبير الاستراتيجي بمركز الدراسات السياسية بالاهرام. ان اهمية الوثيقة تأتي من انها مارست النقد الذاتي وهي شجاعة ادبية والنقد الذاتي فضيلة غربية وليست عربية وهي احد تقدم الجوانب الانسانية للحضارات وامامنا تجربة (لوسبا) رئيس الحزب الاشتراكي بفرنسا عندما فشل امام الرئيس الفرنسي السابق واعلن اعتزاله من السياسة، وجماعةالاخوان لم تمارس ذلك النقد من قبل فالتطرف ادي لمواقف عنيفة وهو انشطة واعتقادات يتبناها شخص او جماعة يجعله يقيس مواقف الصراع باعتبارها شكلاً من اشكال الاحتلال الامريكي مثلا بالعراق انه يصف افعال المقاومة بالارهاب وكذلك اسرائيل بفلسطين. واشار الي انه يجب ايضا علي الخطاب العلماني ان يراجع احكامه.

ليست هناك تعليقات: